روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | الرجل القرموط والمرأة الحرباء!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > الرجل القرموط والمرأة الحرباء!


  الرجل القرموط والمرأة الحرباء!
     عدد مرات المشاهدة: 2700        عدد مرات الإرسال: 0

بداية أعتذر للقراميط الحقيقية، والحرابي الحقيقيات على تشبه بعض البشر بتلونهم، فتلون هذه المخلوقات طبيعي، بل ربما كان ضروريا لإستمرار حياتها، فالحرباء إنما تسمت بهذا الاسم لأنها تخوض الحرب التي هي نقيض السلم كما يقول ابن منظور في لسان العرب، فهي في صراع دائم مع الشمس، تتلون بألوان تقيها الحر، ولهذا تأخذ ألوان الأعشاب التي تسير عليها، أو ألوان جذوع الأشجار التي تتسلقها، في تؤدة وثقة وحذر، يجعل شكلها مخيفا ومنفرا في آن!

أما القرموط فهو نوع من السمك، يتسم بالعيش في المياه العذبة، وما يتخلف عنها من مياه راكدة أو آسنة، فهو يعيش في الأنهار الصغيرة، ويعش في البرك، كما يعيش في مياه الصرف القذرة، ويتغذى على أي شيء، فربما تغذى على الفئران الصغيرة، أو على جثث الحيوانات النافقة!

كما يتسم بالقوة، فجسمه أملس جدا، وليس قشريا، ولهذا يصعب الإمساك به حيث يراوغ ويتفلت بسهولة، ولا يمكن السيطرة عليه إلا بعد القبض على رأسه فلحمها غليظ، وتغطيها طبقة جدلية خشنة، وله شوارب طويلة، وزعنفته الظهرية حادة قوية.

إن قرموط السمك بهذه الصفات قريب الشبه من بعض الرجال الذين يمكنهم العيش في الأجواء النظيفة، ومع ذلك يفضلون العيش في الأجواء الآسنة، ولا يقتربون من الحياة النظيفة مع قدرتهم الفعلية على ذلك، لكنهم يستسهلون فيرتكسون حيث المنفعة السريعة، وكما لا يغامر القرموط بالعيش في المياه في الهادرة، فكذلك يتردد بعض الرجال، في الإنحياز أو حتى الإعلان عن رأيهم بصدق! خصوصا إذا كانت هناك مظنة متاعب أو مشاكل!

إن هؤلاء الرجال يتمتعون بسمات ظاهرية توحي بالقوة والعزيمة، ولديهم القدرة على الحديث المنمق والحوار الجذاب، لكنهم في واقع الأمر يختارون الأسهل والأسلم عند المفاصلة، وهكذا يكون القرموط الذي هيأه الله لهذه الحياة، وجعله على هذه الكيفية، أما بني البشر فقد ترك الله لهم حرية الإختيار، ليحاسبهم فيما بعد بما كسبت أيديهم، ولهذا وجب الإعتذار للقراميط حين نشبه بعض البشر بهم!

وأما الحرباء فإنها تتخذ من تلونها درعا لمواجهة حرارة الشمس، وهي مضطرة لذلك، فيما تتلون بعض النساء، وتظهر أكثر من رأي، وأكثر من إنفعال وأكثر من شعور في الموقف الواحد؟!

إن تلون بعض النساء هو دليل الضعف عن إبداء الرأي، فتحاول أن ترضي كل من حولها، وتقف في المنتصف، وقد تسعى بالنميمة، أو الإيقاع بين الناس إرضاء للطرف الأقوى، أو من تظن مصلحتها معه، وما تلبث الأيام أن تتكشف الحقائق فتخسر نفسها، وتخسر من سعت لكسب رضاهم!

إننا لسنا بصدد مقارنة الصفات المشتركة بين الإنسان والحيوان، التي تحدث عنها علماء والإجتماع والأدباء، وإنما نسوق ومضة نتأمل فيها تكريم الله للإنسان، حين أنعم عليه نعمتين كبيرتين -العقل وحرية الاختيار- ثم هو يتشبه بحيوانات مجبولة على هذه الحياة.

ولعل الله جعل هذه الحيوانات على هذه الكيفية، لنحمده على نعمة الإختيار، فنريه سبحانه، ثم نُري خلقه أنبل وأجمل ما في أنفسنا، حين نترفع عن خصال التلون وليس منافسة الحيوانات في التشبه بها!

إننا نحتاج إلى تحقيق المعنى الكامل للتوكل على الله وحده، واليقين بأنه لن يمنعنا مما كتبه علينا أن نسلك سلوك القراميط أو سلوك الحرابي، كما نحتاج أن نعيش دون مبالغة في التجمل والضغط على المشاعر لإرضاء من حولنا!

يقول الشاعر العباسي صالح بن عبدالقدوس في ذم التلون والتردد:

قُل للذِي لَستُ أدرِي مِنْ تَلَوُّنِهِ *** أَناصِحٌ أم عَلى غِشٍّ يُداجِيني

إنِّي لأكثر مما سمتني عجبًا *** يدٌ تشجُ وأخرى منك تَأسونِي

تغتابني عند أقوامٍ وتَمدحُني *** في آخرينَ وكلٌّ عنكَ يَأتيني

هذانِ شيئان فد نافيت بينهما *** فاكفُفْ لسانَكَ عن شتمي وتَزييني

الكاتب: علي محمد الغريب.

المصدر: موقع لها أون لآين.